وضع داكن
03-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 001 أ - مقدمة 1 - مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. 

  القوة الإدراكية في الإنسان تستلزم طلب الحقيقة:


أيها الإخوة الكرام؛ مع درس جديد من دروس أسماء الله الحسنى، وفي هذا الدرس نتحدث بشكل عام عن مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة إلى الله.
بادئ ذي بدء، لقد أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، وميّزه بهذه القوة عن بقية المخلوقات، هذه القوة الإدراكية تستلزم طلب الحقيقة، فقد خلق فيه حاجة عليا للمعرفة، وما لم تلبَّ هذه الحاجة العليا، وما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة، وما لم يبحث عن سرّ وجوده، وعن غاية وجوده، وعن أفضل شيء يمكن أن يفعله في وجوده فقد هبط عن مستوى إنسانيته، هناك حاجات سفلى، وحاجات دنيا، وهناك حاجات عليا مقدسة، فالله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان هذه القوة كي تُلبَّى، لذلك الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة، والذي يتعرف إلى سرّ وجوده، وغاية وجوده هو إنسان لعله اقترب من أن يؤكد ذاته، ويحقق وجوده في الأرض.
 

أصلُ الدين معرفةُ الله:


النقطة الدقيقة أن أصل الدين معرفة الله، وفضل معرفة الله على معرفة خَلقه كفضل الله على خلقه، كم هي المسافة كبيرة جداً بين أن تعرف شيئاً من مخلوقات الله وبين أن تعرف خالق السماوات والأرض؟! مسافة كبيرة جداً، قالوا:

(( عن أبي سعيد الخدري: قولُ الرَّبُّ سبحانه وتعالى مَن شَغلَهُ القرآنُ عن ذِكْري ومسألَتي أعطيتُهُ أفضَلَ ما أعطي السَّائلينَ، وفضلُ كلامِ اللَّهِ تعالى علَى سائرِ الكَلامِ كفَضلِ اللَّهِ تَعالى علَى خَلقِهِ. ))

[ ابن الملقن: تحفة المحتاج: أخرجه الترمذي: صحيح أو حسن ]

والآن فضل معرفة الله على معرفة خلقه كفضل الله على خلقه.
 

لا شيء يعلو على مرتبة العلم:


أيها الإخوة الكرام؛ لو أن طفلاً صغيراً قال: معي مبلغ عظيم، كلمة عظيم، كم نقدر هذا المبلغ؟ نقدره بمئتي ليرة مثلاً، أما إذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى: أعددنا مبلغاً عظيماً لهذه المهمة، كم نقدر هذا المبلغ؟ بمئتي مليار، الكلمة نفسها قالها طفل فقدرناها برقم، وقالها إنسان آخر فقدرناها برقم، فإذا قال خالق السماوات والأرض:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

لذلك لا شيء يعلو على مرتبة العلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظلّ المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علِم فقد جهل، بالمناسبة طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
 

معرفةُ الآمرِ قبل معرفة الأمر:


أيها الإخوة؛ هناك نقطة يالإسلام دقيقة جداً؛ يمكن أن تتعرف إلى الله، ويمكن أن تضعُف معرفتك بالله، وتتعرف إلى أمره ونهيه، لكن الحقيقة الصارخة أنك إذا عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، بينما إذا عرفت الأمر، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، وكأنني وضعت يدي على مشكلة العالم الإسلامي الأولى، الصحابة الكرام قِلة، وصلت راياتهم إلى أطراف الدنيا، لأنهم عرفوا الله، وحينما اكتفينا بمعرفة أمره، ولم نصل إلى معرفته المعرفة التي تحملنا على طاعته كما ترون حال العالم الإسلامي، والله عز وجل يقول:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[  سورة النور  ]

نحن كما في الآية الكريمة والواقع المرّ لسنا مستخلَفين، ولسنا ممكَّنين، ولسنا آمنين، والكرة في ملعبنا، لأنه:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾

[  سورة مريم  ]

إذاً الفرق الواضح بين الرعيل الأول من الصحابة الكرام الذين عرفوا الله، وطبقوا منهجه، فاستحقوا وعود الله عز وجل، وكما تعلمون جميعاً زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
على كلٍّ؛ قضية العلم واسعة جداً، قال بعض العلماء: هناك علم بخلقه، أي يوجد عندنا واقع، والعلم وصف ما هو كائن، ما هو كائن علم، هناك ظواهر فلكية، علم الفلك، ظواهر فيزيائية، علم الفيزياء، ظواهر كيميائية، علم الكيمياء، ظواهر نفسية، علم النفس، ظواهر اجتماعية، علم الاجتماع، فالعلم مختص بما هو كائن، وهو علاقة مقطوع بها بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل، هذا هو العلم.
 

العلم بخَلقه أصلُ صلاح الدنيا والعلمُ بأمْره أصل صلاح الآخرة:


لكن هناك شيء آخر، هناك علم بأمره، العلم بخَلقه من اختصاص الجامعات في العالم، أية جامعة تذهب إليها كليات العلوم، والطب، والهندسة، والصيدلة، وما إلى ذلك، هذا علم بخلقه، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، والمسلمون مفروض عليهم فرضاً كفائياً أن يتعلموا هذه العلوم كي يكونوا أقوياء، لذلك العلم بخلق الله أصل في صلاح الدنيا، أما العلم بأمره فأصل في العبادة، قال تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[ سورة الذاريات  ]

 

الكليات الثلاثة في العبادة:


العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، ففي هذا التعريف الدقيق طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية؛ هذا التعريف فيه كليات ثلاثة، فيه كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية.
الكلية السلوكية هي الأصل، وما لم يستقم المسلم على أمر الله لن يستطيع أن يقطف من الدين شيئاً، هذه الكلية السلوكية، المؤمن ملتزم، المؤمن مُقيَّد بمنهج الله عز وجل، المؤمن في حياته منظومة قيم، يوجد عنده فرض، يوجد عنده واجب، يوجد عنده سنة مؤكدة، سنة غير مؤكدة، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام، العلم بأمره أصل في قبول العبادة.
وبالمناسبة العبادة واسعة جداً، هناك عبادة شعائرية، وهناك عبادة تعاملية، والعبادات الشعائرية ومنها الصلاة والصوم لا تَصِحّ ولا تُقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال بعض العلماء: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة: والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا.
 

العلمُ بأمر الله ونهيه فرض عين:


إذاً هناك علم بخلق الله، والمسلمون مدعوون إلى طلب هذا العلم، بل هو عليهم فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، وهو أصل في صلاح الدنيا، بينما العلم بأمره أن تعرف الحلال والحرام، أن تعرف أحكام التعامل التجاري، أحكام التعامل اليومي، هذه كلها من أحكام الفقه، ولابدّ من أن يتعرف الإنسان إليها لتأتي حركته في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل.
إنك بالاستقامة تسلم، لأنك تطبق تعليمات الصانع، وما من جهة في الأرض أجدر من أن تُتبع تعليماتها إلا الجهة الصانعة، لأنها الجهة الخبيرة وحدها:

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر ]

العلم بأمره فرض عين على كل مسلم، العلم بخَلقه فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، بينما العلم بأمره فرض عيني على كل مسلم، كيف تعبد الله؟ من أجل أن تعبده لابد من أن تعرف أمره ونهيه، فعلم بخلقه من أجل صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، وعلم بأمره من أجل قبول العبادة.
 

العلمُ بأمر الله يحتاج إلى مُدَراسة والعلم بالله يحتاج على مجاهدة:


لكن بقي علم به، العلم بأمره وبخلقه يحتاج إلى مدارسة، إلى مُدرّس، إلى كتاب، إلى وقت، إلى مطالعة، إلى مذاكرة، إلى مراجعة، إلى أداء امتحان، إلى نيل شهادة، العلم بخلقه وبأمره يحتاج إلى مدارسة، ولكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة، قالوا: جاهد تشاهد.
أنت حينما تلتزم، وحينما تأتي حركتك في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل عندئذ يتفضّل الله علينا جميعاً فيمنحنا وميضاً من معرفته جلّ جلاله، فلذلك صار عندنا علم بخلقه يحتاج إلى مُدارسة، وعلم بأمره يحتاج إلى مُدارسة أيضاً، والعلم بخلقه وبأمره الأول أصل في صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، والثاني أصل في قبول العبادة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة، فبقدر ما تضبط جوارحك، بقدر ما تضبط حركاتك وسكناتك، بقدر ما تضبط تطلعاتك وبيتك وعملك، بقدر ما يتفضل الله عليك بأن يمنحك شيئاً من معرفته.

طرق معرفة الله تعالى:

 

الطريق الأولى: النظرُ في الآيات الكونية:

الحقيقة نحن أمام معرفته يوجد طرق ثلاث سالكة، أولاً: بند آياته الكونية، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

لذلك من أجل أن نعرف الله عز وجل لابدّ من أن نتفكر في مخلوقاته، والآية واضحة جداً، وفيها إشارة دقيقة إلى أن المؤمن يتفكر في خلق السماوات والأرض تفكّراً مستمراً، والفعل المضارع (يتفكرون) يدل على الاستمرار، فمن أجل أن أعرف الله ينبغي أن أتفكر في مخلوقاته.
وهذا الكون أيها الإخوة الكرام ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وقد قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
أول شيء، آيات كونية تحتاج إلى تفكر، الآيات الكونية نتفكر بها، وهذا طريق آمن، لأن كل ما في الكون يُعَدّ مظهراً لأسماء الله الحسنى، وهذا موضوع هذا الدرس الأول.
ترى في الكون رحمة، إذاً الله رحيم، ترى في الكون حكمة، إذاً الله حكيم، ترى في الكون قوة، الله قوي، ترى في الكون غنى، الله غني، فكأن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، هذا طريق لمعرفة الله، التفكر في خلق السماوات والأرض، وبالمناسبة يوجد بالقرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية.
أيها الإخوة الكرام؛ بربكم إن قرأت آية فيها أمر، تقتضي هذه الآية أن تأتمر، وإن قرأت آية فيها نهي، تقتضي هذه الآية أن تنتهي، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل الجنة، تقتضي هذه الآية أن تسعى إلى دخول الجنة، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل النار، تقتضي هذه الآية أن تتقي النار، ولو بشقّ تمرة، وإن قرأت قصة أقوام سابقين دمرهم الله عز وجل تقتضي هذه الآية أن نتعظ، وأن نبتعد عن كل عمل يفعله هؤلاء.
الآن السؤال: وإذا قرأت آية فيها إشارة إلى الكون، إلى خلق الإنسان، ماذا تقتضي هذه الآية؟ تقتضي هذه الآية أن تتفكر في خلق السماوات والأرض.
أيها الإخوة الكرام؛ ألف وثلاثمئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون، وخلق الإنسان، والآية مرة ثانية أرددها على مسامعكم: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ هذا طريق سالك إلى الله، التفكر في خلق السماوات والأرض، وهو طريق سالك وآمن ومثمر.
 

الطريق الثانية: النظرُ في أفعالِ الله تعالى:


هناك طريق آخر، قال تعالى:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

[ سورة الأنعام ]

الآن الطريق الثاني إلى معرفة الله أن تنظر في أفعاله، الله عز وجل فعّال لما يريد، وأفعاله متعلقة بالحكمة المطلقة، وقد قال بعض العلماء: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، وطريق التفكر في أفعاله أو في آياته التكوينية بالمناسبة هناك آيات كونية خَلقه، وهناك آيات تكوينية أفعالُه، وهناك آيات قرآنية كلامُه، إذاً طريق معرفة الله التفكر في آياته الكونية خلقه، والنظر في آياته التكوينية أفعاله، ثم تدبر آياته القرآنية، مرة ثانية؛ ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء.

فلو شاهدت عيناك من حسننــــا           الذي رأوه لــما وليت عنا لغيرنـا

ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــا

ولـــو ذقت من طعم المحبـة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحـبنــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمـــة            لمت غريبــــاً واشتياقــــاً لقربنــا

[ علي بن محمد بن وفا ]

* * *

 

آية فيها سلامة الإنسان؛ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ:


أيها الإخوة الكرام:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

[ سورة الرعد ]

يوجد القلب فراغ لا يملؤه المال، ولا تملؤه المتع، ولا تملؤه القوة، نحن بحاجة إلى الإيمان، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

[ سورة طه ]

الإنسان مجبول على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، سلامة وجوده أساسها تطبيق منهج الله، وكمال وجوده أساسها القرب من الله عز وجل، واستمرار وجوده أساسها تربية الأولاد كي يكون هذا الابن استمراراً لأبيه.
 

أربع مساحات في الإسلام:

 

1 ـ مساحة العقيدة:

أيها الإخوة الكرام؛ إذا ممكن أن نرمز إلى الإسلام بمثلث فيه أربع مساحات، المساحة الأولى: مساحة العقيدة، وأخطر شيء في الإسلام العقيدة، لأنها إذا صحت صحّ العمل، وإذا فسدت فسد العمل.
وبالمناسبة الإسلام يُقدم للإنسان تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة للكون والحياة والإنسان، لمجرد أن تقرأ القرآن الكريم أنت أمام منظومة تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة، تعرف سرّ الحياة الدنيا، لماذا أنت في الدنيا؟ ما حكمة المرض أحياناً؟ ما حكمة المصائب؟ لماذا هناك موت؟ ماذا بعد الموت؟ ماذا قبل الموت؟ من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ أنت عندك أمن عقائدي، لذلك إذا شرد الإنسان عن الله، وتوهم أفكاراً معينة، وآمن بها قد يُفاجأ مفاجأة صاعقة أن هذه الأفكار غير صحيحة، أما حينما يؤمن بالله، ويؤمن بمنهجه، والمنهج يقدم له تفسيراً عميقاً دقيقاً متناسقاً لحقيقة الكون، ولحقيقة الحياة الدنيا، ولحقيقة الإنسان عندها يُفلح، فلذلك في هذا المثلث المساحة الأولى مساحة العقائد، لذلك الخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، أفضل ألف مرة أن تقع في خطأ في مفردات المنهج من أن تقع في خطأ في أصل التصور، ميزان غير منضبط لو استخدمته مليون مرة الوزن غير صحيح، أما إذا كان منضبطاً، وأنت أخطأت بقراءة الرقم هذه مرة واحدة، فالخطأ في الميزان لا يُصَحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، لذلك أفضل ألف مرة أن نخطئ في الوزن من أن نخطئ في الميزان، فالمساحة الأولى في المثلث هي مساحة العقيدة، فإن صحت صحّ العمل، وإن فسدت فسد العمل، وما من انحراف في السلوك إلا بسبب انحراف في العقيدة، ولو أن العقيدة لا يتأثر بها السلوك اعتقد ما شئت، ولكن لأنه ما من خطأ في العقيدة إلا وينعكس خطأ في السلوك.
للتقريب: أحياناً يخطئ الطيار في تحديد الهدف في الجو بميليمتر واحد، هذا الميليمتر في الجو ينقلب في الأرض إلى كيلو متر، فالخطأ في العقيدة له آثار سيئة جداً، لذلك يجب أن تصح عقائدنا، والإنسان بحاجة إلى أن يراجع ما يعتقد، أحياناً يعتقد بشيء غير صحيح، بخرافة أحياناً، بشيء شاع بين الناس، فلابد من بحث في العقيدة، والشيء الدقيق لو أن الله قبِل من إنسان عقيدة تقليداً لكان كل الضالين في الأرض مقبولين عند الله، لكن لأن الله عز وجل يقول:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾

[ سورة محمد ]

لا تُقبل العقيدة من المؤمن إلا تحقيقاً، قضية قلّد مرفوضة هذه، لأن الله عز وجل يقول: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ .

2 ـ مساحة العبادات:

المساحة الثانية في المثلث مساحة العبادات، والأصل في العبادات الحظر، ولا تُشرّع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت، العبادات قربات إلى الله، الله عز وجل يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ والعبادة علة وجودنا، بل هي سرّ وجودنا، لكن لهذه العبادة مفهومات ضيقة جداً، ولها مفهومات واسعة، العبادة تدور مع الإنسان حيثما دار في كل أوقاته، وفي كل أحواله، وفي كل شؤونه، فلذلك المساحة الثانية العبادات.
 

لا تصح العبادات الشعائرية إلا إذا صحت العبادات التعاملية:


أخطر ما في الموضوع أن العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. ))

[ صحيح مسلم ]

هذه الصلاة.
 الصوم:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. ))

[ صحيح البخاري ]

الحج: من حجّ بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك.
الزكاة، قال تعالى:

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)﴾

[ سورة التوبة ]

شهادة أن لا إله لا الله؛ من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله، فالعبادات الشعائرية كالصلاة والصوم لا تصح ولا تُقبَل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، فلذلك المساحة الأولى مساحة العقائد، والمساحة الثانية مساحة العبادات. 

3 ـ مساحة المعاملات:

المساحة الثالثة مساحة المعاملات، لما سيدنا جعفر رضي الله عنه سأله النجاشي عن الإسلام، قال:

(( عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ. ))

[ إسناده صحيح أخرجه أحمد باختلاف يسير، وأبو نعيم في حلية الأولياء. ]

إذاً الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ   قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».  ))

[ صحيح البخاري ]

الإسلام بناء أخلاقي، ((بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ)) لذلك قالوا: الإيمان هو الخَلق، ومن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان.
أول مساحة العقائد، الثانية العبادات، الثالثة المعاملات، ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا.  

4 ـ مساحة الأخلاق:

المساحة الأخيرة مساحة الأخلاق:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

[ سورة القلم ]

ما لم يكن المؤمن متمسكاً بمكارم الأخلاق، ما لم يكن منصفاً، ما لم يكن متواضعاً، ما لم يكن رحيماً فكأنه لم يقطف ثمار هذا الدين.
أيها الإخوة؛ هذا تقديم وتمهيد لموضوع أسماء الله الحسنى، يقول الله عز وجل:

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)﴾

[ سورة طه ]

ويقول الله عز وجل:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

((  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. ))

[ متفق عليه ]

وهاتان الآيتان وهذا الحديث نشرحهما إن شاء الله في درس قادم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور